الدكتور محمد الحضيف أحب اقرأ لــه اعجبنيَ مآقرأته ورآق لي كثيرآ وأحببتَ أن أشــآركمَ وتقرؤنـه معيَ
..!
روعة من روائع الكـآتب الدكتور / محمد الحضيف ..
كناقد تشاجرنا هذا الصباح ،
على أمر سخيف .
أعترف أني كنت البادئ بالاستفزاز .
قلت لها : - لماذا لا أسمع منك كلمة حالمة ، شيئا من تلك الرومانسيات ،التي تملأ حياة بعض الناس ، فتجعلها وردا وقوس قزح ..؟
صوبت نحوي نظرةباهتة ،
ثم قالت بسرعة : - "الشاهي ناقصة حلا" .
قلت ، وقد بدأتوتيرة صوتي تعلو : - "حياتنا كلها ناقصها حلا" .
أخذت ترتب أطباق الطعامأمامي ، دون أن تتكلم ، فبلغ الغيظ مني أقصاه ، فأهويت بقبضة يدى على معصمها ،وأطبقت عليها بشدة وأنا أهزها ،
والكلمات تنطلق كالضجيج من فمي : - لمـاذالا تسمعيني كلمـة حـب واحدة ، لماذا تقتلين حياتي ومشاعري المتأججة ، بهذا البرود .. ؟ لماذا .. لماذا ..؟
وأنطلقت أعدد عليها ما تحتاجه صحراء قلبي المجدبة . حدثتها عن العطش ، عن الجوع ، عن أحلام قتلها الصقيع ... عن الحب ، يموت ظامئا .. جائعا .. تائها ، لا عينين يأوي إليهما .
كانت يدى تطبق على يدها ، ولم أشعر أني قدآذيت معصمها في غمرة إنفعالي ، مما أراه سكونا بلـيدا ، مميتا ،
في مشاعرها تجاهي .
لم أدرك ذلك ، إلا حينما رأيت وجهها ينطق بكل معاني الألم ، وهي تقول ليبصوت متهدج : "يدي .. يدي .. أرجوك ، لقد أوجعتني" .
أطلقت يدها ، وسيطرعلى شعور بالندم ، وأخذت أتأملها ، وهي تغالب الدمع ، وتمسح يدها بيدها الأخرى .
قلت في نفسي : - (كيف يؤذي من يطلب الحب) ؟
كان واضحا أن يدها تؤلمها ، إذلم تستطع أن تستخدمها في إكمال إفطارها . ولاحظت أيضا ، أنها على وشك أن تبدأ معي معركة ،
فقد كانت متوترة ، وملامحها توحي بالرغبة في الرد على إتهاماتي وعدواني . في دخيلة نفسي كنت أريد معركة من هذا النوع ،
لأدينها ، ولأؤكد لها ، أنني (أنا) الإنسان المعطاء ،
وهي تمثال من الشمع ، بلا مشاعر . سادت لحظة من الصمت ، خشيت خلالها أن تنطفئ جذوة انفعالها ،
فقلت مستفزا :
- يا ضيعة احلامي . أنت تتحسسين يدك ، ومرهم كفيل بأن يحل المشكلة ، أما أنا فكيف أداوي قلبي الذي تيبسمن الجفاف ..؟ رمقتني بنظرة عميقة ، لم أعتدها منها ،
ثم قالت ، وقد أختفتكل معالم التوتر من وجهها : - هل تظن أني لو لم أكن أحبك ، سأبقى معك دقيقة واحدة ..؟
نزلت عبارتها كالصخرة على صدري : "إذن هي التي تقرر أن تبقى معي أولاتبقى ، وليس أنا . وبالتالي ، فمفهومها للحب هو الذي يحدد استمرار العلاقة بيننا" .. هكذا خاطبت نفسي .
لماذا لا تفهم أنـي أنـا لي رؤيتي الخاصة ، في أن نبقى معا أولا نبقى ؟ لماذا لا تدرك أني أنا أيضا بحاجة لأن أحبها ، لكي أبقى معها ؟
إذا كانتتحبني وفق تصورها الخاص ، لماذا لا تمنحني الحق في أن أحبها بالشكل الذي أريد كذلك؟ ألست في النهاية سأحبها هي ، وليـس شخصـا آخـر ..؟
أليس مؤذيا أن تقوللإنسان : ساعدني كي أحبك ، فيكون الجواب : لا عليك أنا أحبك ؟ ها هو يوم جديد ،وجولة من الإحباط جديدة ، وفشل يتراكم . في الظهر ، أثناء رجوعنا إلى البيت من مقرعملها ، حيث تعمل معلمة في مدرسة في حي فقير ، رأيت على جانب الطريق إمراة تمشي ،مسرعة الخطا ، حافية القدمين . كان يوما لاهبا ، أشعر فيه أن السيارة تئز تحتي منشدة الحرارة . كان منظر المرأة ، وهي تسير حافية على القار ،
الذي سال بعضه ، وتشققالبعض الآخر ، من هول الحرارة ، التي تصبها الشمس على الأرض ، يثير الألم .
إلتفتت إلى حيث كنت أنظر ، فأبصرت المرأة ، وقالت بأسى : - لحظة .. لحظةقف قليلا . حينما أوقفت السيارة ، فتحت الباب ونزلت باتجاه المرأة . مر بعض الوقت ،وأنا لا أدري لماذا نزلت ، ولا بماذا تتحدث مع المرأة ، وفجأة ، رأيتها تنزع حليها من يديها وتعطيها المرأة ،
ثم أتجهت إلى السيارة ، وقالت لي : - معك نقود ؟ - كم تريدين .. قلت لها ؟ - الذي معك .. أجابت .
أخرجت من محفظتي الف وسبعمائه ريال ،
هي كل ما معي ، وناولتها إياها ، فاتجهت إلى المرأة ووضعتها في يدها ،وتبادلتا بضع كلمات ، لم أسمعها ، وعادت إلى السيارة .
قبل أن تركب ،استدارت فجأة نحو المرأة ، وقالت : - خاله .. حين ألتفتت المرأة ، خلعت حذاءهاورمته تجاهها . لم يصرفها عن النظر إلى يدي المرأة البائسة ، اللتين رفعتهما إلىالسماء ،
بعدما وضعـت الحذاء في قدميها ، اللتين أكلهما القار الحار ، إلا لهيبالرمضاء الذي أحرق قدميها ، وجعلها تتقافز ، كحمامة حطت على صفيح ساخن . ركبت ،وخيم الصمت بيننا . هي ،
أظن أنه قد ألجمها الموقف ، وصدمة التأثر ، لتعاسة هذهالمرأة البائسة .
أما أنا فقد خجلت من نفسي : "أهذا الكيان الشامخ بلامشاعر ؟ كم كنت ساذجا ، حينما كنت أغمس يدي في هذا المحيط ، ثم أعيدها متأففا انهبلا محار ... وبلا لؤلو" .
حينما وصلنا إلى البيت ، أستأذنتها لحظة بعدم النزول ،ودخلت البيت وأحضرت لها حذاء ، ولم أتكلم ، ولم نحتج إلى الكلام مرة أخرى .